نفحات إسلامية
2020-02-24
2966 زيارة
أمتلك امير المؤمنين(عليه السلام) مؤهلات فكرية جمة استقاها من القرآن الكريم وعن النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، ويعد نهج البلاغة الذي يحوي على مجموعة كبيرة من خطبه ورسائله ووصاياه دليلاً لكل باحث في الاتجاهات الفكرية المتنوعة.
مما لا شك فيه ان عملية اختيار القضاة تعد أحد أهم العمليات التنظيمية القضائية في المجتمع ، حيث اوصى (عليه السلام) مالك الاشتر والي مصر بعهده مجموعة من الصفات الواجب أتباعها ليكون قاضياً بالعدل ومنها على سبيل المثال :
وبينت الدراسات الحديثة، أن هذه الخصائص والسمات الواجب على القاضي الاتصاف بها هي مقاربة بشكل كبير لأصول المحاكمات الحقوقية المعاصرة ، والتي تحتم على القاضي مراعاتها والالتزام بها في إدارة المحاكمة[5].
وهناك حقيقة ان الامام علي قد رفض ان يختلف القضاة في الحكم ، قائلا: " ترد على احدهم القضية في حكم من الأحكام ، فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره ، فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم ، فيصوب آراءهم جميعا، وآلههم واحد ، ونبيهم واحد ، وكتابهم واحد". وبذلك فالإمام يؤكد جانباً اجتماعياً خطيراً يؤثر سلبا في عملية التنظيم القضائي وبالتالي في عملية العدل الاجتماعي.. الا وهو الاختلاف وعدم الوحدة في تتبع أمر القضاء ونصه وعدم الرجوع الى منهله الأساس المتمثل بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، لانهما معين ومصدر الحكم القضائي.
ثم يعقب الإمام (عليه السلام) قائلا ومستغربا من اختلافهم :" أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه، أم كانوا شركاء له فلهم ان يقولوا وعليه ان يرضى أم أنزل الله سبحانه دينياً تاما فقصر الرسول (صلى الله عليه وآله ) عن تبليغه وادائه ، والله سبحانه يقول : (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وفيه تبيان لكل شيء، وذكر (عليه السلام) ان الكتاب يصدق بعضه بعضا وانه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه: (و) " .
وتمثل مجموع هذه الوصايا التي وضعها أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بشأن الخصائص والصفات الواجب توافرها بمن يمارس القضاء بكونها أسس وقواعد العمل التنظيمي، حيث إن من يحمل هذه الخصائص بمجملها يستحق ان يشغل هذا المنصب الخطير.
ويمكن القول ان هذه السمات الواجب توافرها في القاضي متصلة ومتداخلة فيما بينها لكونها تحدد الصفات النفسية لشخصية القاضي ، فضلا عن إنها تمثل بمجموعها تصرفات سلوكية متتابعة يجب على القاضي اتباعها في أية قضية تطرح أمامه .. وهذا بدوره يسهل ويمهد عملية التنظيم القضائي ويدعمه في المجتمع.
[1] محمد عبده ، شرح نهج البلاغة للإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام )،(بغداد: منشورات مكتبة النهضة ،1984)، ج3 ، ص94 .
[2]ابن أبي حديد المعتزلي ، شرح نهج البلاغة (بيروت: مؤسسة الاعلمي، 2004)، ج6 ، ص42.
[3] محمد عبده ، المصدر السابق ، ج3 ، ص94 .
[4] المصدر نفسه ، ج3 ، ص94 .
[5] للمزيد من التفاصيل ينظر : توفيق الفكيكي ، الراعي والرعية ،(بغداد: شركة المعرفة للنشر والتوزيع المحدودة،1990)، ص9-11 .
[6] محمد عبده، المصدر السابق ، ص94 .
[7] المصدر نفسه.