نفحات إسلامية
2019-08-01
2947 زيارة
لا نبالغ اذا قلنا ان الامام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) قد انفتح على خطِّ الإمامة مبكراً، بحيث كانت امامته مثاراً للجدل والحوار بسبب صغر سنه، فهو اول إمام يبلغ الامامة في طفولته، اذ عاش بعد وفاة أبيه الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) مسؤوليّة الإمامة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن في سنِّ الصِّبا ان يتحمل مسؤولية ومهمة امامة المسلمين؟ وهل حصل ذلك في الامم السابقة؟. ان الجواب على هذا السؤال يكون كالاتي .
لذلك اجتمع كبار العلماء المسلمين من فقهاء بغداد والامصار وقصدوا المدينة ليشاهدوا الامام محمد بن علي الجواد (عليه السلام)، واجروا لقاءات معه وطرحوا عليه اسئلة لاختباره والتأكد من أنه يتمتع بعلم الامامة. وقد استطاع(عليه السلام) منذ حداثة سنِّه أن يُظهر ثبات الإمامة وصلابتها[4]. حيث حيّر العقول بعلمه الوافر وإجاباته عن أعقد المسائل، وقدرته على تبيان حكم الله في شريعته، وبفعل ذلك يمكن أن نسمّيه بـ"الإمام المعجزة"، لأنَّ إمامته انفتحت على كلِّ الواقع وهو بعده في سنِّ الصِّبا.
تؤكد المصادر التاريخية ان الامام (عليه السلام) نهض بأعباء الإمامة بعد وفاة أبيه علي بن موسى الرضا، وقد مارس دور التوعية والتبليغ الديني بمقدار ما سنحت به الظروف حيث كان معلمًا ومدافعًا ومربيًا عن شرائع الإسلام الاصيل، ومتصديًا لمعالجة ما يثار من شبهات وقد كان يمارس كل ذلك من خلال خطاباته ومكاتباته وإجاباته عن الأسئلة ومناظراته التي كانت تُعقد في محافل العلماء.
ثمة حقيقة تاريخية ان الامام محمد بن علي الجواد قد ساهم طيلة مدة امامته في اغناء مدرسة بيت النبوة العلمية وحفظ تراثها، وامتازت بالاعتماد على النص والرواية عن النبي الاكرم محمد(صلى الله عليه واله) وعلى الفهم والاستنباط من الكتاب والسنة، فضلا عن اهتمامه بالعلوم والمعارف العقلية واعتمد الامام الجواد في منهجه العلمي على عدة اساليب منها على سبيل المثال لا الحصر :-
وعلى سبيل المثال الا الحصر، كتب ابن الجوزي: "كان الجواد على منهاج أبيه في العلم والتقى والزّهد والجود"[7]. ابن حجر اكد في كتابه : "كان المأمون زوَّجه ابنته لمّا رأى من فضله مع صغر سنّه، وبلوغه في العلم والحكمة والحلم ما برز به على جميع العلماء" [8] .
وختاما يجدر بنا ان نقول ان على الرغم من الاوضاع السياسية التي عاشها الامام (عليه السلام) الا انه مارس نشاطاً فكريا واسعاً، حيث اعتمد على مجموعة من الوكلاء السريين لنشر توجيهاته السياسية وفتاويه العقائدية والتعريف بمنهجية اهل البيت (عليهم السلام) في مناطق متفرقة من العالم الاسلامي، فكانوا بمثابة دعاة للإمام مارسوا مسؤولياتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية .
فضلا عن ذلك تمكن من نشر ثقافة اهل البيت على الرغم من عمره القصير الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين.
جعفر رمضان
[1] سوره الشورى، الآية 52.
[2] سورة مريم ، الآية 12.
[3] سورة مريم ، الآية 30.
[4] محمد باقر المجلسي، بحار الانوار،(طهران : المكتبة الاسلامية، 1965م)، ج50، ص90؛ ابو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، أثبات الوصية، (قم: مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر،2003م)، ص210.
[5] محسن الامين العاملي، اعيان الشيعة ، تحقيق: حسن الامين،(بيروت: دار التعارف، 1998)، ج2، ص35.
[6] محمد بن محمد بن النعمان المفيد، الاختصاص، تحقيق: حسين الاعلمي،( بيروت:1993)، ص87-88.
[7] سبط ابن الجوزي ، تذكرة بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة، تحقيق: عامر النجار،( مكتبة الثقافة الدينية، 2008)، ص359
[8] شهاب الدين ابي الفضل احمد بن علي ابن حجر، الصواعق المحرقة،(بيروت: مؤسسة الرسالة،1997)، ص205.